کد مطلب:309777 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:297

القسمت 14


اطلّ شهر رمضان و تألقت لیالیه الجمیلة... السماء تكتظ بالنجوم... وصفاء لا عهد لیثرب به یسود المدینة، وطافت آیات القرآن بساتین النخیل و الأعناب.

فاطمة صائمة، و الهلال الذی بزغ فی سماء یثرب ینمو و یكبر، و جنین فی بطن فاطمة یتحرك یفیض بالحیاة... والعیون تترقب كوكباً سیشرق علی الدنیا.

كبر الهلال أصبح نصف دائرة من فضة... و تدور اللیالی حتی إذا أصبح القمر بدراً، بدأت لحظة المخاض.

تألق الأمل فی بیت علی.. وأطل علی الدنیا صبی علیه سیماء محمد.

خفّ النبی إلی منزل فاطمة، و البشری تطوف فوق جبینه.

هتف النبیّ بأسماء و كانت عند فاطمة:

- هاتی إلی إبنی.


تقدمت اسماء تحمل طفلاً ملفوفاً بمندیل أصفر.

احتضن النبی حفیده وطوح بالمندیل الأصفر بعیداً و قال:

- یا أسماء ألم أعهد الیكم ان لا تلفوا المولود بخرقة صفراء...

أسرعت اسماء و أحضرت مندیلاً أبیض، وبدا الولید حمامة بیضاء، أو غمامة هبطت من سمائها إلی الأرض.

تساءل النبیّ عن اسمه فقال علی:

- ما كنت لأسبق رسول اللَّه.

- یا علی أنت منی بمنزلة هارون من موسی فسمه باسم ابن هارون.

- و ما كان اسمه یا نبیّ اللَّه.

- اسمه شبر.

- العرب لا تعرف هذا الاسم.

- سمه حسنا.

- كانت فاطمة سعیدة و كانت سعادتها انعكاساً لسعادة والدها كما ینعكس النور فی المرایا...

كانت فاطمة فرحة لأنها لم تر أباها سعیداً كهذا الیوم، طافت أمام عینیه سعادة قدیمة یوم قدمت خدیجة طفلته الحبیبة فاطمة... یوم بشّره جبریل بالكوثر.


مرت سبعة أیام.. أیام ملونة كقوس قزح... حتی اذا أطلّ الیوم السابع... نحر النبی كبشاً وعقَّ عن حفیده.. لقد فدت السماء اسماعیل بكبش وهاهو حفید ابراهیم یفدی الولید المبارك بكبش أملح.. وأعطی القابلة فخذاً و دیناراً...

وضع النبی الولید فی أحضانه و حلق شعره و تصدق بوزن الشعر فضة.

وأدرك الذین رأوا النبی و حفیده و تلك السعادة التی كانت تتدفق فی وجه النبی ان حباً عظیماً قد تفجر فی قلب الرسول و ان لهذا الولید المبارك شأناً عظیماً.

و تدور الأیّام و القلب الصغیر ینبض بهدوء كنهرٍ هادئ...

استعادت فاطمة نشاطها بل شعرت ان قوّة كامنة قد تولّدت فی روحها.. قوّة تدفعها إلی العمل.. إلی ان تلمس الأشیاء فتمنحها اسمها و جمالها.

رشت الفناء بالماء.. تناثرت من بین أصابع كفّها حبّات باردة كانت تتألق فی ضوء الشمس.. وامتلأ الفضاء برائحة طیبة تشبه رائحة الأرض المرشوشة بالمطر... رائحة تشد المرء إلی أن یفتح صدره فیستنشق الهواء یملأ به رئتیه.

كان الحسن فی مهده غافیاً... وطیف ابتسامة یلوح فوق فمه


الدقیق كوردة تتفتح للربیع... ربما كان یحلم بأشیاء جمیلة... أشیاء أودعها اللَّه فی النفس یوم خلق الإنسان.

كانت فاطمة ترنو إلی الولید الذی صیّرها امّاً. و قد ولدت فاطمة الاُمّ.. تدفق نبع الاُمومة فی قلبها فیاضاً رقیقاً...

جلست إلی الرحی و مستها فدارت حول قطبها هادئة.

و بصوت رخیم راحت بنت النبی ترتل آیات جاء بها جبریل من السماوات البعیدة لشد ما تحب فاطمة تلك الفتاة الطاهرة... مریم ابنة عمران... انساب الصوت رقیقاً مؤثّراً كساقیة:

«وإذ قالت الملائكة یا مریم إن اللَّه اصطفاك وطهرك واصطفاك علی نساء العالمین.. یا مریم اقنتی لربِّك واسجدی واركعی مع الراكعین... قالت الملائكة یا مریم انّ اللَّه یبشرك بكلمة منه اسمه المسیح عیسی بن مریم وجیهاً فی الدنیا و الآخرة و من المقرّبین».

رنت فاطمة نحو ولیدها.. حركت مهدهُ بقدمها وراح المهد یتهادی علی هون كزورق فی بحیرة رائقة.

الرحی تدور بهدوء.. و كلمات السماء تنساب بخشوع.. و المهد یتأرجح برفق.. و تلتقی هذه الأشیاء لتملأ حیاة فاطمة حیث الزمن نهر تتدافع امواجه فی رحلة نحو البحر الكبیر، أو رحی كبیرة تدور حول قطب ثابت لایعرف الدوران.